[ الألم أقوى من حصره بتعبير ]


كتب السيد محمد أنور


* لعلها من أغرب الرسائل التي وصلتني عبر بريد الصفحة لمُتابِعة تطلب مفردات ومعاني تصف الألم و في اليوم التالي عاودت الطلب مع وضع إغراء مادي لأكتب لها مقالاً عن الألم بالطبع لم أتعامل مع الأمر بجدية لأني لم أراه يرتقي لأن يكون كذلك . و لكنه آثار بداخلي تساؤل هل حقاً يمكن أن يجد أحدهم صعوبة في الكتابة عن الألم حتى و لو لم تكن كتابة إحترافية و إقتصرت على مجرد خواطر و لمحات من مشاهد حياتية حدثت له أو حُكيت له عنما حدث لآخرين . و الحقيقة أنه ما من مظاهر محيطة بنا أكثر من تلك الصور المُعبرة عن الألم . و حتى و إن كان لا يمكن الإستقرار على تعريف محدد للألم لأن لكل منا تعريف شخصي جداً للألم يناسب تكوينه و قناعاته و نشأته و ظروفه المحيطة يمكنه ان يصلح ك واصف للألم . فهناك من يرى الفقر ألم . و هناك من يوقن بأن قبح الملامح ألم . و هناك من يرى في الضعف بتعدد صوره و درجاته ألم . و القائمة تطول لكن يظل الشعور بالألم مُختلف و المُسبب له مختلف و التعبير عنه و التعاطي معه كذلك . فكلما صغرت دائرة المرء كلما كان هناك عجلة ما في تعريف الألم و مجاهرة أسرع في التعبير عنه . و صغر الدائرة هنا غير مرتبط بصغر العمر و لكن صغر الدائرة الذي أقصده يرتبط بكم التجارب الحياتية و القدر الذي ناله المرء من يسر أو صعوبة الظروف المحيطة و قطعاً الإختبارات و الإختيارات التي تعرض لها يمثلان عامل ليس بالهين يمكنه المساهمة في خلق أجواء الألم و تباين رد الفعل عليه . لكني كنت و لم أزل على قناعة بأن ألم الروح هي أقصى و أبشع و أشد مسببات الألم . القهر ألم . الإنكسار ألم . العجز و قلة الحيلة ألم . الشعور بأن عمرك سار خلفك ألم . كل تلك ألآلام لا يشعر بها فعلياً إلا من أغلق قلبه عليها . إلا من تكابد روحه و جوارحه عذاب الإمتزاج بها . أن كل أفعال البشر مهما أوتيت من قّبح يمكن بشكل أو بأخر التماهي معها أو إمتلاك قدرة تقلصت أو زادت للرد عليها . أو حتى الميل للتسامح عن قوة معها أو الإستسلام بفعل الضعف أمامها . و لكن الألم أن تشعر بأنك لست أنت . أن ذلك الواقع لا يُمثلك و أن هذا الذي سار اليوم كان بالأمس مستقبل ما كنت في أسؤ كوابيسك تتوقع أن تسير بك الأيام إليه . الألم أن تحزن من نفسك و على نفسك و تتلفت حولك فتجد أن التغيير تأخرت كثيراً في الإقدام عليه حتى سار بلوغه يحتاج معجزة . في زمن ما عاد يشهد للمعجزات وجود . مما سبق يمكننا إستخلاص أن صحتك و عمرك هما فقط القادران على إشعال مواقد الإحساس بالألم . فحين تخونك صحتك يؤلمك ذلك . و حين تهرب منك أيامك يؤلمك ذلك أيضاً . ما دون ذلك بشكل أو بأخر يمكنك تعويضه أو تغييره أو حتى التعايش معه . في الختام أقول لا تطلب من أحد أن يشعر بألمك لانه ليس أنت و قناعاته تختلف عنك و وقع ما يؤلمك عليك من الإستحالة أن يأتي بنفس الأثر عليه . و كذلك أنت قد ترى أحدهم يتألم من أمر هو بالنسبة لك أقل من العادي و لكن بالنسبة له لا يكون كذلك . و هنا يبرز دور القلوب و تكاد ان تنطق الأرواح . بين من يشاركك ألمك محاولاً التخفيف عنك قدر ما يستطيع و بين من يستغل ألمك ساعياً لسحق البقية الباقية منك . و بين من يرى ألمك مسبب كافي لتكدير صفو أيامه و من يتعامل مع ألمك ك مادة تسلية سيتوقف عن مشاهدتها حين يمل . و في كل الأحوال أنت المطالب بالتعامل الفعلي و العملي و الحقيقي مع ألمك . أنت الذي عليك مواجهته و تغيير قناعاتك نحوه و ردودك عليه . أنت الذي فرضت عليك المحاولة الإيجابية في تخفيف ألم لن يشعر به أحد مثلك و لن يتمكن من التخلص منه سواك . و إن قررت أن تستسلم للألم أو تنهار أمامه أو تسعى لتغييب عقلك لتتمكن من التكيف معه فهذا شأنك . لأن في كل الأحوال لا أحد غيرك سترسو قوارب النتائج عليه . أن تتألم هذا واقع و ليس قدر لأن يمكنك التعامل معه أما رد فعلك على الألم سيظل دوماً قرار . فلا تحاول أن تكون مثير للشفقة ولا تقبل بذلك حاول أن لم يكن مفر من أن تتألم أن تُبقي جانب من روحك صلب بما يكفي لأنك يقيناً سيلزمك لفترة الله عزوجل وحده من يعلم مداها ستحتاج فيها أن تتكئ عليه ....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Anterior cruciate ligament

Hp Pro x2 612 G1 Tablet.

افضل لابتوب hp